لا يزال مسلسل الكيد للسنة ورجالها مستمراً، في مخطط يستهدف دين الإسلام واجتثاث أصوله، وتقويض بنيانه، فقد رأينا في مواضيع سابقة جزءاً من الحملات التي تعرضت لها السنة ورجالها بدءاً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتشكيك في عدالتهم وديانتهم.
والطعن فيمن عرف بكثرة الرواية منهم، ومروراً بكبار أئمة التابعين الذين كان لهم دور مشهود في تدوين الحديث ونشر السنة كالإمام الزهري وغيره.
وما أن فرغ خصوم السنة من ذلك حتى بدؤوا جولة جديدة، كان الهدف فيها هذه المرة أعظم أصول الإسلام بعد القرآن، فصوبوا سهامهم نحو الصحيحين ومؤلفيهما، واتخذوهما غرضاً لحملاتهم وشبهاتهم، لأن في النيل منهما نيلاً من الإسلام، ولأن إسقاط الثقة بهما هو في الحقيقة إسقاط للثقة بجملة كبيرة من أحكام الشريعة التي إنما ثبتت بتصحيح هذين الإمامين الجليلين.
وتلقي الأمة لها بالقبول، فإذا نجحوا في العصف بهما، فقد أصابوا الإسلام في مقتل يصعب بعده استمرار الحياة، ولذلك جعلوا من أهم أهدافهم وأولى أولياتهم إسقاط الثقة بأحاديث الصحيحين ورواتهما بشتى الوسائل، لتنهار بعد ذلك صروح السنة في غيرهما من الكتب والمصنفات الأخرى.
وقد صرح بذلك بعضهم قائلاً: " ونخصّ الصحيحين بالبحث، لأنّه إذا سقط ما قيل في حقّهما سقط ما قيل في حق غيرهما بالأولوية ".
وسنعرض لأهم ما أثير حول الصحيحين من شبهات، وليس المقصود استيفاء كل الشبه الواردة وتفنيدها فهو أمر يحتاج إلى دراسة خاصة لا يتسع لها المقام، ولكن حسبنا أن نشير إلى أهم الأمور البارزة التي ركز عليها هؤلاء، سواء ممن ينتسب إلى الإسلام ويحسب على السنة أو ممن ينتسب إلى الفرق الضالة التي لها موقف معروف أصلاً من أحاديث الصحيحين لأنها لا تتفق مع أهوائهم وانحرافاتهم.
فقد ذكروا جملة من الشبه توهن من قوة الصحيحين بزعمهم، وتثير الريبة في أحاديثهما، وتحطم الهالة التي نسجت حولهما - كما يقولون - .
انتقاد أحاديث ورجال الصحيحين:
ومن ذلك أن الصحيحين قد تعرضا للنقد من قبل الأئمة وأن فيهما أحاديث لا تصح وبعضها أمارة الوضع بادية عليه، أضف إلى ذلك التناقض والتعارض بين بعض أحاديث الصحيحين مما يصعب معه الجمع بينها، إضافة إلى أن ثمة عدد هائل من رجالهما قد تكلم فيهم بتضعيف أو تجريح، كما أنهما قد أخرجا أحاديث أناس من أهل البدع لم يسلموا من طعن في عقيدتهم.
يقول " محمود أبو رية ": " إنهم - أي العلماء - أعلوا أحاديث كثيرة مما رواه البخاري و مسلم، وكذلك نجد في شرح ابن حجر للبخاري و النووي لمسلم استشكالات كثيرة، وألف عليهما مستخرجات متعددة، فإذا كان البخاري و مسلم - وهما الصحيحان - كما يسمونها - يحملان كل هذه العلل والانتقادات.
وقيل فيهما هذا الكلام - دع ما وراء ذلك من تسرب الإسرائيليات إليهما، وخطأ النقل بالمعنى، وغير ذلك في روايتهما - فترى ماذا يكون الأمر في غير البخاري و مسلم من كتب الأحاديث " (أضواء على السنة المحمدية 273- 285) .
ويقول " محمد رشيد رضا " بعد أن عرض الأحاديث المنتقدة على البخاري: " وإذا قرأت ما قاله الحافظ ابن حجر - فيها رأيتها كلها في فن الصناعة، ولكنك إذا قرأت الشرح نفسه " فتح الباري "، رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات في معانيها، أو تعارضها مع غيرها - أكثر مما صرح به الحافظ نفسه - مع محاولة - من الحافظ - الجمع بين المختلفات، وحل المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض ".
وقال: " ودعوى وجود أحاديث موضوعة في أحاديث البخاري المسندة، بالمعنى الذي عرفوا به الموضوع في علم الرواية ممنوعة، لا يسهل على أحد إثباتها، ولكنه لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع. . . . . وإنّ في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه. . . .
فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من أصول الدين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية، الاطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه -
وعلمتم أيضاً أنّ المسلم لا يمكن أن ينكر حديثاً من هذه الأحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده على عدم صحّته متناً أو سنداً، فالعلماء الّذين أنكروا صحّة بعض هذه الأحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، قد يكون بعضها صواباً وبعضها خطأً، ولا يعدُّ أحدهم طاعناً في دين الإسلام " (تفسير المنار 10/ 580) .
وأما " أحمد أمين " فيقول: " إن بعض الرجال الذين روى لهم البخاري غير ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل - لأن بعض من ضعف من الرواة لا شك أنه كذاب، فلا يمكن الاعتماد على قوله، والبعض الآخر منهم مجهول الحال، ومن هذا حاله فيشكل الأخذ عنه. . .
ومن هؤلاء الأشخاص الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال عكرمة مولى ابن عباس ويذكر " أحمد أمين "شواهد تاريخية لإثبات كون عكرمة كذاباً ثم يقول: فالبخاري ترجح عنده صدقه فهو يروي له في صحيحه كثيرا. . . . و مسلم ترجح عنده كذبه، فلم يرو له إلا حديثاً واحداً في الحج ولم يعتمد فيه عليه وحده وإنما ذكره تقوية لحديث آخر " (ضحى الإسلام 2/ 117) .
وقبل الشروع في مناقشة هذه المزاعم ينبغي أن يعلم بادئ ذي بدء أن الأمة قد أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول علماً وعملاً، وقد نقل الاتفاق وإجماع الأمة على ذلك جماعة من أهل العلم منهم الإمام أبو عمرو بن الصلاح في مقدمته في علوم الحديث، والإمام النووي وغيرهم، يقول النووي رحمه الله:
"اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري و مسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة " (شرح مسلم 1/ 14).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فليس تحت أديم السماء كتاب أصح من البخارى و مسلم بعد القرآن " (الفتاوى 18/ 74) ، ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: " وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم.
وهما اللذان لا مطعن في صحة حديث من أحاديثهما عند العارفين من أهل العلم " (مشكلات الأحاديث 158) ، ومن هنا فإن كل من هون من أمرهما، وغض من شأنهما فقد خالف سبيل المؤمنين، وسلك سبيل أهل البدع والأهواء.
ونحن لا ننكر أن بعض أحاديث الصحيحين كانت محل انتقاد من قبل بعض المحدثين والحفاظ كالدارقطني وغيره، ولكن ما هي طبيعة هذا الانتقاد؟ ، وهل يصح أن يجعل من هذا الانتقاد ذريعة للطعن في أحاديثهما جملة، وإهدار قيمتهما العلمية والشرعية كما أراد المغرضون؟ ! .
لقد تعرض العلماء منذ أمد بعيد لهذه الانتقادات وأماطوا اللثام عنها، وبينوا أنها لا تقدح أبداً في أصل موضوع الكتاب، فهذا النقد لم يكن من قبل الطعن فيها بالضعف وعدم الصحة، وإنما كان من قبل أنها لم تبلغ الدرجة العليا التي اشترطها صاحبا الصحيح والتزمها كل واحد منهم في كتابه.
كما يقول الإمام: النووي رحمه الله: " قد استدرك جماعة على البخارى و مسلم أحاديث أخلاَّ بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه " أهـ (شرح مسلم 1/ 27) .
وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيه، ومردُّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في التوثيق والتجريح شأنها شأن المسائل الاجتهادية الأخرى، وليس بالضرورة أن يكون الصواب فيها مع الناقد بل قد يكون الصواب فيها مع صاحب الصحيح، يظهر ذلك من خلال سبر الأحاديث المتكلم فيها، ونقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة العلم.
والعلماء الذين نقلوا إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول استثنوا هذه الأحاديث المنتقدة لأن هذه المواضع مما حصل التنازع فيه، ولذا لم يحصل لها من التلقي والقبول ما حصل لبقية الكتاب قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته: " وأجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول سوى أحرف يسيرة انتقدها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره ".
وقال في مقدمة شرح مسلم له - كما نقله عنه الحافظ ابن حجر -: " ما أخذ عليهما يعني على البخاري و مسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول " (هدي الساري 505) .
فجَعْلُ انتقاد بعض الأحاديث في الصحيحين - لكونهما أخلا بشرطهما فيها في نظر الناقد مع كونها صحيحة، وقد يكون الصواب معهما - مبرراً كافياً للتشكيك فيهما، ورد أحاديثهما جملة ليس مسلك المنصفين، وإنما مبناه الهوى والتعصب.
وقد كفانا أئمة الإسلام وحفاظ الأمة الذين اشتغلوا بالصحيحين، وأفنوا فيهما أعمارهم بحثاً وشرحاً وتدريساً وتتبعاً وسبراً لأحاديثهما - مؤونة الرد على هذه الشبهة ودحضها.
فقد ذكر الإمام الحافظ ابن حجر - في مقدمة الفتح - أن عدد ما انتقد عليهما من الأحاديث المسندة مائتا حديث وعشرة، اشتركا في اثنين وثلاثين حديثاً، واختص البخاري بثمانية وسبعين و مسلم بمائة، وهذه الأحاديث المنتقدة إن كانت مذكورة على سبيل الاستئناس والتقوية، كالمعلقات والمتابعات والشواهد.
أجيب عن الاعتراض عليهما بأنها ليست من موضوع الكتابين، فإن موضوعهما المسند المتصل، ولهذا لم يتعرض الدارقطني في نقده على الصحيحين إلى الأحاديث المعلقة التي لم توصل في موضع آخر، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتابين، وإنما ذكرت استئناساً واستشهاداً.
وإن كانت من الأحاديث المسندة، فإما أن يكون النقد مبنياً على قواعد ضعيفة لبعض المحدثين خالفهم فيها غيرهم فلا يقبل لضعف مبناه، وإما أن يكون مبنياً على قواعد قوية فحينئذ يكون قد تعارض تصحيحهما أو تصحيح أحدهما مع كلام المعترض، ولا ريب في تقدمهما في باب التصحيح والتضعيف على غيرهما من أئمة هذا الفن، فإنهم لا يختلفون أن ابن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث.
وعنه أخذ البخاري ذلك، ومع ذلك فكان ابن المديني إذا بلغه عن البخاري شيء يقول: " ما رأى مثل نفسه "، وكان محمد بن يحيى الذهلي أعلم أهل عصره بعلل حديث الزهري، وقد استفاد ذلك منه الشيخان جميعاً.
وقال مسلم: عرضت كتابي على أبي زرعة الرازي فما أشار أن له علة تركته، فإذا عرف ذلك تبين أنهما لا يخرّجان من الحديث إلا ما لا علة له، أو له علة غير مؤثرة عندهما، وهذا هو الجواب الإجمالي.
وأما الجواب التفصيلي فقد قسَّم الحافظ الأحاديث المنتقدة إلى ستة أقسام، تكلم عليها ثم أجاب عنها حديثاً حديثاً:
القسم الأول: ما يختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإِسناد، فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالطريق الناقصة، فهو تعليل مردود، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر، لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه.
وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع، والمنقطع ضعيف والضعيف لا يعل الصحيح، ومن أمثلة ذلك: ما أخرجاه من طريق الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين.
قال الدارقطني في انتقاده: قد خالف منصور، فقال عن مجاهد عن ابن عباس، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاط طاوس، قال وحديث الأعمش أصح، وهذا في التحقيق ليس بعلة، فإن مجاهداًً لم يوصف بالتدليس، وقد صح سماعه من ابن عباس، و منصور عندهم أتقن من الأعمش، و الأعمش أيضاً مِن الحفاظ، فالحديث كيفما دار دار على ثقة، والإِسناد كيفما دار كان متصلاً، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا.
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة، وعلله الناقد بالمزيدة، تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف، فيُنْظر: إن كان الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكاً بيناً.
أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك، وإن لم يوجد وكان الانقطاع ظاهراً، فمحصل الجواب أنه إنما أخرج مثل ذلك حيث له سائغ وعاضد، وحفته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع، مثاله: ما رواه البخاري من حديث أبي مروان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة، أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - قال لها:
(إذا صليت الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون) الحديث، قال الدارقطني: هذا منقطع، وقد وصله حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة، ووصله مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة كذلك، قال الحافظ:
حديث مالك عند البخاري مقرون بحديث أبي مروان، وقد وقع في رواية الأصيلي عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصلاًً، وعليها اعتمد المزّي في الأطراف، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب، قال أبو علي الجياني: وهو الصحيح، وكذا أخرجه الإِسماعيلي بإسقاطها من حديث عبدة بن سليمان، و محاضر و حسان بن إبراهيم، كلهم عن هشام وهو المحفوظ من حديثه.
وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب، ثم ساق معها رواية هشام التي أسقطت منها، حاكياً للخلاف فيه على عروة كعادته، مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بالمستبعد.
وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع، لكونها مروية بالمكاتبة والإِجازة، وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ ذلك، بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحته عنده.
القسم الثاني: ما يختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإِسناد، والجواب عنه: أنه إن أمكن الجمع، بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما، حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدد، أو متفاوتين، فيخرج الطريقة الراجحة، ويعرض عن المرجوحة، أو يشير إليها.
فالتعليل بجميع ذلك لمجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف.
القسم الثالث: ما تفرد فيه بعض الرواة بزيادة لم يذكرها أكثر منه، أو أضبط، وهذا لا يؤثر التعليل به، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، وإلا فهي كالحديث المستقل.
القسم الرابع: ما تفرد به بعض الرواة ممن ضعف، وليس في الصحيح من هذا القبيل غير حديثين تبين أن كلاً منهما قد توبع:
أحدهما: حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه: " أن عمر استعمل مولى له يدعي هنياً على الحمى " الحديثَ بطوله، قال الدارقطني: إسماعيل ضعيف، قال الحافظ: ولم ينفرد به، بل تابعه معن بن عيسى عن مالك.
ثم إن إسماعيل ضعفه النسائي وغيره، وقال أحمد و ابن معين في رواية: لا بأس به، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وإن كان مغفلاً، وقد صح أن أخرج البخاري أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وأخرج له مسلم أقل مما أخرج له البخاري.
ثانيهما: حديث أبيّ بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده، قال: " كان للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - فرس يقال له اللحيف "، قال الدارقطني: " أبيّ ضعيف "، قال الحافظ ابن حجر: تابعه عليه أخوه عبد المهيمن.
القسم الخامس: ما حكم فيه على بعض الرواة بالوهم، فمنه ما لا يؤثر قدحاً، ومنه ما يؤثر.
السادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن، فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح، لإِمكان الجمع أو الترجيح.
ثم أخذ يجيب عن الأحاديث المنتقدة حديثاً حديثاً بما يرد عنها كل انتقاد، ويبين أن الصواب فيها مع المصنف لا مع المنتقد، ثم قال رحمه الله: " هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد، المطلعون على خفايا الطرق، وليست كلها قادحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر، والقدح فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل.
واليسير منه في الجواب عنه تعسف، كما شرحته مجملاً في أول الفصل، وأوضحته مبيناً أثر كل حديث منها، فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه، وجل تصنيفه في عينه.
وعذر أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم، وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم، وليس سواء من يدفع بالصدر فلا يأمن دعوى العصبية، ومن يدفع بيد الإنصاف على القواعد المرضية، والضوابط المرعية.
وأما الإرجاف والتهويل بأن الحفاظ قد ضعفوا من رجال البخاري نحواً ثمانين "، وبعضهم كذاب وبعضهم مجهول الحال، والتمثيل لذلك بعكرمة مولى ابن عباس.
فلربما استهول القارئ غير المطلع هذا الكلام، مع أنه لو تدبر حال أولئك الثمانين واستقرأ ما أخرجه البخاري لهم لاتضح له أن الأمر أهون مما أراد أن يصوره هؤلاء.
فقد بين الحافظ في (مقدمة الفتح 548) أنه من الأمور المعلومة عند أئمة هذا الشأن أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو يقتضي عدالته عنده، وصحة ضبطه وعدم غفلته، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين.
وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فإما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق، فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم.
وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعناً، فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل إلا مبين السبب مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي، وفي ضبطه مطلقاً، أو في ضبطه لخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح.
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه "، فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة.
ثم بين أن مدار أسباب الجرح على خمسة أشياء: البدعة، أو المخالفة، أو الغلط، أو جهالة الحال، أو دعوى الانقطاع في السند، بأن يدعى في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل.
فأما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح، لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفا بالعدالة، فمن زعم أن أحداً منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته، لما مع المثبت من زيادة العلم، ومع ذلك فلا تجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلا.
وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له: إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط علم أن المعتمَد أصلُ الحديث لا خصوص هذه الطريق.
وإن لم يوجد إلا من طريقه فهذا قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله، وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء، وأما إن وصف بقلة الغلط كما يقال " سيئ الحفظ " أو " له أوهام " أو " له مناكير " وغير ذلك من العبارات فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك.
وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط والصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، فهذا شاذ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكراً.
وهذا ليس في الصحيح منه إلا نزر يسير، وقد تعرض الحافظ لكل هذه الأحاديث عند الكلام على الأحاديث المنتقدة، وانتصر فيها لصاحب الصحيح وبين أن الصواب معه وليس مع المنتقد.
وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من اشتراطه اللقاء مع المعاصرة وربما أخرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب أصلاً ليبين سماع راوٍ من شيخه لكونه أخرج له قبل ذلك معنعناً.
وهي مدفوعة كذلك أيضاً عمن أخرج لهم مسلم فإنه اشترط مع المعاصرة إمكان اللقاء، وأن لا يكون المرسل ممن عرف بالتدليس والإرسال، فمثل هذا لا يخرج له في الصحيح، وما وجد فيهما من أحاديث فيها عنعنة من عرف بالتدليس والإرسال فمحمول على وجود طرق أخرى فيها التصريح بالسماع والتحديث.
وأما البدعة: فالموصوف بها إما أن يكون ممن يكفَّرُ بها أو يفسق، فالمكفَّر بها لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الأئمة - كما في غلاة الروافض - من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة، أو غير ذلك، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء البتة.
والمفسق بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو، وغيرهم من الفرق والطوائف المخالفة لأصول السنة خلافاً ظاهراً، لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ.
فهذا هو الذي وقع الخلاف في قبول حديثه إذا كان معروفاً بالتحرز من الكذب، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفاً بالديانة والعبادة.
والمذهب الأعدل - كما قال الحافظ - التفريق بين أن يكون داعية إلى بدعته أو غير داعية، فيقبل حديث غير الداعية، ويرد حديث الداعية، وزاد بعضهم قيداً: وهو ألاَّ تشتمل رواية غير الداعية على ما يشيد بدعته ويزينها ويحسنها.
وأن لا يوافقه غيره في رواية هذا الحديث، فإن وافقه غيره فلا يلتفت إلى حديث المبتدع إخماداً لبدعته، وإطفاءً لناره، وأما إذا لم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما عرف به من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالدين.
وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته، فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، ومن هذا القبيل إخراج صاحبا الصحيح لجماعة ممن رموا ببعض بدع العقائد كالخوارج والإرجاء والقدر والتشيع، وقد سرد الحافظ رحمه الله أسماءهم في فصل مستقل (مقدمة الفتح 646) .
ومما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أيضاً أن الطعن قد يقع بما لا أثر له في الرواية، كما عاب قوم من أهل الورع جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم بذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط، وأبعد من ذلك التضعيف الذي يقع من باب التحامل بين الأقران.
أو تضعيف من ضعف من هو أوثق منه، أو أعلى قدراً، أو أعرف بالحديث، فكل هذا غير مقبول ولا يعتبر به، وقد ذكر الحافظ رحمه الله ما وقع في الصحيح من ذلك، وسرد جميع أسماء من ضعفوا بأمر مردود غير مقبول. (مقدمة الفتح 654) .
وأما رجال البخاري المتكلم فيهم، فقد عقد الحافظ رحمه الله فصلا مستقلا للكلام عليهم رجلاً رجلاً، مع حكاية الطعن، والتنقيب عن سببه، والجواب عن ذلك بما يكفي ويشفي، كما فعل في الأحاديث المنتقدة تماماً.
ومن ذلك على سبيل المثال أنه ذكر في أولهم ممن اسمه أحمد تسعة نفر اختلف فيهم، وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم، فثلاثة منهم اتضح بأنهم ثقات، وأن قدح من قدح فيهم ساقط، وثلاثة فيهم كلام إنما أخرج لكل واحد منهم حديثاً واحداً متابعة.
يروي البخاري الحديث عن ثقة أو أكثر، ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه، واثنان روى عن كل منهما أحاديث يسيرة متابعة أيضاً، والتاسع أحمد ابن عاصم البلخي ليس له في الصحيح إلا موضع واحد.
ورد في رواية المستملي عند تفسير ( (الجذر والوكْت) ) في باب في باب رفع الأمانة من كتاب الرقاق، وليس حديثاً مسنداً.
وإذ قد عرفت حال التسعة الأولين فقس عليهم الباقي، وإن شئت فراجع وابحث يتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة، وحسبك أن رجال البخاري يناهزون ألفي رجل، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم.
وأما فيما يتعلق بإخراج البخاري لحديث عكرمة مولى ابن عباس ورميه بالكذب، فإن ترجمة عكرمة موجودة في الفتح فليراجعها من أحب، وأما البخاري فقد كان الميزان بيده، لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة إن حدَّث به، فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كلهم.
فلم يجد تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً لا يقع في أحاديث الثقات، ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره، بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدق بعضها بعضاً، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد في القرآن أو من حديث صحابي آخر.
فتيبن للبخاري أنه ثقة، ثم تأمَّلَ ما يصح من كلام من تكلم فيه فلم يجد حجة تنافي ما تبين له، والزعم بأن مسلماً ترجح عنده كذبه فلم يرو إلا حديثاً واحداً في الحج، ولم يعتمد فيه عليه وحده، وإنما ذكره تقوية لحديث سعيد بن جبير.
قول متناقض في الحقيقة، فإن من استقر الحكم عليه بأنه متهم بالكذب، لا يتقوى بروايته أصلاً ولا سيما في الصحيح، لكن لعل مسلماً لم يتجشم ما تجشم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبين له ما تبين للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة.
وأما الأحاديث التي انتقدت على الإمام مسلم فقد أجاب عنها واحداً واحداً جهابذة من أئمة الحديث ذكرهم الإمام السيوطي في (تدريب الراوي 1/ 94) فقال: " ورأيت فيما يتعلق بمسلم تأليفاً مخصوصاً فيما ضعف من أحاديثه بسبب ضعف رواته.
وقد ألف الشيخ ولي الدين العراقي كتاباً في الرد عليه، وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مسلم أحاديث مخالفة لشرط الصحيح بعضها أبهم راويه وبعضها في إرسال وانقطاع، وبعضها وجادة وهي في حكم الانقطاع وبعضها بالمكاتبة، وقد ألف الرشيد العطار كتاباً في الرد عليه والجواب عنها حديثاً حديثاً وقد وقفت عليه. أهـ .
وفيما يتعلق بإخراج مسلم لبعض الضعاف والمتوسطين الذين ليسوا من شرط الصحيح، مما يخل بشرطه، فجواب ذلك من أوجه ذكرها الإمام ابن الصلاح في كتابه " صيانة صحيح مسلم (1/ 96) ، ونقلها عنه النووي في شرحه (1/ 24):
أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، ولا يقال: الجرح مقدَّم على التعديل، لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسرَ السبب، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك، وقد قال الخطيب البغداي: ما احتج البخاري و مسلم و أبو داود به من جماعة عُلم الطعن فيهم من غيرهم، محمولٌ على أنه لم يثبت الطعن المؤثرُ مفسَّرَ السبب.
الثاني: أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد، لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسنادٍ نظيف، رجاله ثقات، ويجعله أصلا، ثم يتبعه بإسنادٍ آخر، أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة.
أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قَدَّمه، وقد اعتذر الحاكم بالمتابعة والاستشهاد في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح، منهم مطر الوراق و بقية بن الوليد و محمد بن إسحاق بن يسار و عبد الله بن عمر العمرى و النعمان بن راشد، وأخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين.
الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذى احتج به طرأ بعد أخذه عنه، باختلاط حدث عليه، فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته، كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن أخي عبد الله بن وهب حيث ذكر الحاكم أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين.
أي بعد خروج مسلم من مصر، فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة و عبدالرازق وغيرهما ممن اختلط آخراً، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل، فيقتصر على العالي، ولا يطول بإضافة النازل إليه، مكتفياً بمعرفه أهل الشأن في ذلك، وهذا العذر قد روي عن مسلم تنصيصاً، وهو خلاف حاله فيما رواه عن الثقات أولاً ثم أتبعه بمن دونهم متابعة.
وكأن ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته، فقد روي عن سعيد بن عمرو البرذعى أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر صحيح مسلم وإنكار أبي زرعة عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر و قطن بن نسير و أحمد بن عيسى المصري، وأنه قال أيضاً: يطرق لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بأن يقولوا: إذا احتج عليهم بحديث:
ليس هذا في الصحيح، قال سعيد بن عمرو: فلما رجعت إلى نيسابور، ذكرت لمسلم إنكار أبي زرعة فقال لي مسلم: إنما قلت: " صحيح "، وإنما أدخلت من حديث أسباط و قطن و أحمد، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات.
قال سعيد: وقَدِم مسلم بعد ذلك الريّ، فبلغني أنه خرج إلى أبى عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب، وقال له نحواً مما قاله لي أبو زرعة: إن هذا يطرق لأهل البدع، فاعتذر مسلم وقال:
إنما أخرجت هذا الكتاب، وقلت " هو صحاح "، ولم أقل: " إن ما لم أخرجه من الحديث فى هذا الكتاب فهو ضعيف "، وإنما أخرجت هذا الحديث من الصحيح ليكون مجموعاً عندي، وعند من يكتبه عنى، ولا يرتاب فى صحته، فقبل عذره وحمده.
وأما ما يتعلق باستشكال بعض الأحاديث أو عدم إمكانية الجمع بينها من قبل بعض الشراح، فليس فيه دليل أبداً على بطلانها، فالناس تختلف مداركهم وأفهامهم، خاصة إذا كان المستشكل يتعلق بأمر غيبي لقصور علم الناس في جانب علم الله وحكمته.
وفي القرآن نفسه آيات كثيرة يشكل أمرها على كثير من الناس، وآيات يتراءى فيها التعارض، مع أنه كله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهل يعد ذلك طعناً في القرآن.
وهل ما استشكله النووي أو الحافظ ابن حجر، حكما عليه بالضعف وعدم الصحة، حتى يتخذ ذلك وسيلة للطعن في الصحيحين؟ أم هو الادعاء الباطل الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة؟ وقد رأيت كيف دافع هذان الإمامان عن أحاديث الصحيحين بما لا يدع مجالاً لطاعن فيهما.
وبعد، فهذا كلام أئمة الدنيا، وجهابذة المحدثين في زمنهم الذين اشتغلوا بالصحيحين، وسبروا أحاديثهما ورجالهما، وأفنوا فيهما أعمارهم وأوقاتهم ورحلاتهم، فهل بعد كلام الأئمة يقبل قول لقائل أو متخرص، يأتي في أعقاب الزمن ليطلق الأحكام جزافاً، وليتهم جميع هذه الأمة التي أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول، وجلالة المُصَنِّفَيْن في هذا الشأن.
المصدر: موقع إسلام ويب